رغم تدمير 60% من البنية التعليمية.. غزة تكتب أولى صفحات الإعمار بحقها في التعليم

رغم تدمير 60% من البنية التعليمية.. غزة تكتب أولى صفحات الإعمار بحقها في التعليم
مدرسة تابعة لمنظمة الأونروا في غزة عليها آثار القصف الإسرائيلي

جاء إعلان وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بأن أكثر من ثمانية آلاف معلم في غزة أبدوا استعدادهم الكامل لمساعدة الأطفال على العودة إلى مقاعد الدراسة بعد شهور طويلة من الانقطاع القسري بفعل الحرب والحصار، ليؤكد أهمية عودة الوكالة التي تعد أكبر منظمة إنسانية تعمل داخل قطاع غزة، والسماح لها بمواصلة مهامها التعليمية والإغاثية دون أي معوقات.

وشدد البيان الرسمي للمنظمة أن التعليم يمثل أملاً أساسياً للأطفال الفلسطينيين الذين حُرموا من مدارسهم وكتبهم ومعلميهم، وأن استئناف العملية التعليمية هو خطوة أولى نحو إعادة بناء الحياة الطبيعية داخل المجتمع الغزي.

وبحسب ما نشرته "الغارديان"، فقد أدى تدمير مئات المدارس كلياً أو جزئياً إلى توقف التعليم الرسمي لأكثر من 660 ألف طفل في القطاع، وتحولت عشرات المباني التعليمية إلى ملاجئ للنازحين، في حين لم يتبقَّ سوى عدد محدود من المدارس القادرة على استقبال الطلاب.

ووصفت الصحيفة المشهد بأنه "انهيار تربوي يهدد جيلاً كاملاً"، إذ فقد الأطفال معلميهم وأصدقاءهم وبيئتهم التعليمية، في حين يعيش آلافٌ منهم اليوم في صدمات نفسية متكررة جراء الحرب وفقدان الاستقرار.

تقول إحدى المعلمات في مخيم البريج إن "المدرسة كانت بيتنا الثاني، واليوم صارت أنقاضاً، لكننا رغم ذلك نتمسك بالعودة، لأن التعليم بالنسبة لأطفال غزة ليس ترفاً، بل فعل مقاومة للحياة".

التعليم وسيلة للتعافي

تؤكد الأونروا أن فقدان التعليم لا يعني فقط حرمان الأطفال من حق أساسي، بل يؤثر أيضاً في استقرارهم النفسي والاجتماعي، لأن المدرسة كانت تمثل لهم مساحة أمان وحلم بمستقبل مختلف.

وتعمل الوكالة حالياً على إعادة تأهيل عدد من المدارس المتضررة وتزويدها بالمستلزمات الأساسية من أثاث وقرطاسية ووسائل تعليمية رقمية بديلة، لكنها شددت على أن هذه الجهود تحتاج إلى دعم دولي عاجل لتأمين التمويل وتشغيل المدارس بشكل آمن.

وفي الوقت الذي بدأ فيه بعض المعلمين بتنظيم دروس تطوعية للأطفال في مراكز مؤقتة ومخيمات النزوح، حذّرت تقارير صحفية غربية من أن "تأخر استئناف العملية التعليمية سيُعمّق أزمة الجيل الغزي"، وأن "إعادة التعليم إلى الحياة ليست مسألة تقنية بل مسألة كرامة وحق إنساني".

فصول جديدة من الأمل

من جانبها أشارت صحيفة "ذا ناشيونال"، وهي صحيفة إماراتية تصدر بالإنجليزية، إلى أن أطفال غزة يواجهون عاماً دراسياً ثالثاً من الانقطاع شبه الكامل عن الدراسة، وأن الأمل في استعادة النظام التعليمي بدأ مع إعلان الهدنة الأخيرة التي سمحت بإعادة فتح بعض المرافق التعليمية بشكل تدريجي.

وقالت الصحيفة إن "عودة التعليم تمثل عودة للحياة ذاتها"، لكنها أكدت أن البنية التحتية المدمّرة ونقص التمويل يشكلان عائقين كبيرين أمام استمرار العملية التعليمية.

أما "الغارديان" فوصفت مشهد المعلمين وهم يعودون إلى مدارسهم المهدمة بعبارة لافتة: "يُدرّسون بين الأنقاض لأنهم يرفضون تعليم الصمت"، وأشارت إلى أن الأطفال يتلقون دروسهم في خيام مؤقتة، وأن بعض المدارس بدأت تستخدم التكنولوجيا الرقمية البسيطة وسيلة بديلة للشرح، رغم الانقطاع المتكرر للكهرباء والإنترنت.

التعليم حق لا يُؤجَّل

من منظور حقوق الإنسان، يمثل التعليم أحد الركائز الأساسية التي لا يجوز تعليقها حتى في أوقات النزاع، ويؤكد خبراء حقوق الطفل أن التعليم في الأزمات هو وسيلة لحماية الأطفال من التجنيد والعنف والاستغلال، كما يمنحهم الشعور بالاستقرار والكرامة.

وفي غزة، كما تشير الأونروا، فإن إرادة المعلمين الذين واصلوا عملهم رغم القصف تشكل نموذجاً حياً للصمود الإنساني، وتعبيراً عن التمسك بالحق في التعلم كونه طريقاً إلى التعافي والسلام.

وأضافت الوكالة أن المدارس ليست فقط أماكن لتلقي الدروس، بل فضاءات للحياة والأمل، وأن حماية العملية التعليمية من أي تدخلات سياسية أو عسكرية باتت ضرورة قصوى بعد ما عاشه القطاع من دمار ومعاناة.

إعادة بناء المستقبل

تدير الأونروا في غزة أكثر من 270 مدرسة كانت قبل الحرب تؤوي نحو 290 ألف طالب وطالبة، وتعمل حالياً على إعادة تشغيلها تدريجياً بالتعاون مع الجهات الدولية والمحلية.

وقالت نائبة رئيس الوكالة في تصريح نقلته "ذا ناشيونال" إن فرق التفتيش الميدانية تجري زيارات مفاجئة للتأكد من تطبيق معايير السلامة، وتستخدم المواد المحلية في إعادة البناء لتسريع عودة الفصول الدراسية.

وأكدت أن "إعادة فتح المدارس ليست مجرد إجراء إداري، بل استعادة لحق أساسي يجب أن يُصان في كل الظروف"، مطالبة المجتمع الدولي بتكثيف دعمه المالي والسياسي لتمكين الأطفال من العودة إلى التعليم بأمان.

بعد عامين من الحرب والحصار، تعود غزة لتضع التعليم في صدارة أولوياتها، فاستئناف الدراسة هو في جوهره إعلان عن التمسك بالحياة، ورسالة واضحة بأن الأمل لا يُقصف.

وإذا كانت الأونروا اليوم تُعيد فتح مدارسها رغم الركام، فإن ذلك يعيد التذكير بأن التعليم في غزة ليس مجرد خدمة اجتماعية، بل هو حق إنساني أصيل، ومسار نحو التعافي والكرامة والعدالة.

كما عبّرت إحدى المعلمات في تصريح أوردته “الغارديان”: "نُدرّس أطفالنا بين الركام، لأننا نؤمن أن من يعرف كيف يقرأ، لن يُهزم أبداً".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية